الأحد، 4 يناير 2015

عام جديد.. والجديد القادم / سميرة رجب




انتهى عام 2014، وبدأ عام جديد نتمنى ان يكون افضل من السابق على الأمة جمعاء، والتفاؤل دائماً هو ما ينير طريق الشعوب والأمم الطموحة. 
ولكن رياح أمتنا العربية، حتى الآن، لا تزال تسير عكس ما تشتهيه سفننا.. ولا يمكن أن ننكر أن العقد الثاني من القرن الجديد، الذي نعيشه، يشهد انقلابا في الوضع العربي، على مستويات خطيرة، مما يتطلب قراءة يومية ومساعي واعية لكل أدوات هذا التغيير الخطير وأسبابه.
التغيير سنة الحياة، ولا يمكن ان يكون مرفوضا في أي ظرف، مكان أو زمان، ولكن التغيير عندما يؤَسَّس على قاعدة الخطأ، وفي قالب أكثر سوءا من الوضع القائم، فإن كل وسائل مقاومته تصبح مشروعة... ومن المؤسف أن عمليات التغيير، التي بدأت في منطقتنا سواء بالغزو الخارجي وغارات الناتو أو بما يدعى الربيع العربي، تعمل على استنفاد طاقات مجتمعاتنا ومواردنا في نزيف مفتوح على صراعات لم يكن لها وجود قبل ذلك التاريخ.
التغيير جاء للمنطقة بصراعات الارهاب الديني، والمد الطائفي، والفصل الإثني، وبنزيف دموي واقتصادي وسياسي... ولا شيء غير ذلك.
التغيير زرع الإرهابيين والارهاب (الديني والطائفي) في العراق وليبيا، في ظل الفوضى العارمة التي تعيشها هاتان الدولتان المنكوبتان، ومن هناك يتم تصديره... وتعيش دولنا العربية تبعات ذلك الارهاب الثري بالمال والتسليح والتكنولوجيا والإعلام وبالطواقم البشرية المدربة احدث تدريب.
التغيير ترافق مع إعلام موجه نجح في إقناع العالم بأن الارهاب إسلامي الهوية، وعربي المنشأ، عبر أعلام ذكي وخطير.
التغيير رسم صورة قاتمة للعربي والمنطقة العربية... فالعربي اليوم هو ذلك الإسلامي الإرهابي المنبوذ المشتبه به، والمطلوب أمنياً... والمنطقة العربية هشة، غير آمنة وغير مستقرة، بكل ما تحمله هذه الصورة السلبية من تبعات دولية خطيرة، تصل الى حد التدخل الخارجي العسكري والسياسي والاقتصادي بذريعة الحفاظ على استقرار وأمن العالم. 
التغيير خلق قنوات جديدة للتدخل الأجنبي في شئوننا، بذريعة القضاء على الارهاب، وسهّل عودة الاستعمار مرحباً به، لحماية أمن منابع النفط.
التغيير نجح حتى الآن في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد التفتيتي، حتى صار العرب يترحمون على مشروع سايكس بيكو التقسيمي القديم.
التغيير بكل أهواله، أفقد العرب وعيهم وذاكرتهم... فنجحت «ديمقراطية» الفصل الاثني ببلداننا في تحقيق حلم «حدود اسرائيل، من الفرات الى النيل» بذلك الحضور الاسرائيلي القوي والمكثف في تأسيس جمهورية السودان الجديد على ضفتي النيل، والدولة الكردية على ضفاف فرات العراق.
التغيير مكّنَ الأحزاب الدينية والطائفية لتصبح أحزاباً حاكمة، تنادي بالديمقراطية وتمارس الكهنوتية.
التغيير خَلطَ الأيديولوجيات الطائفية بالقومية واليسارية، وقضى على النخب الوطنية لصالح الطائفية، ووضع المثقف العربي في وسط سعير تناقضات هذا الموقف الخطير.
التغيير وأهواله الدموية يضع اليوم اللمسات الاخيرة على خريطة الدويلات الشيعية والسنية والإثنيات الجديدة، بعد ان جعل هذه الخريطة أمراً واقعا ومقبولاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح والأراضي التي تخسرها الأمة مع فجر كل يوم جديد. 
إنه التغيير، ذلك المشروع الجديد الذي نزل على الأمة «كالسيل الجارف»، كما وصفه حسنين هيكل، ومازال يجرف في طريقه كل الخرائط السابقة للأمة، بما فيها خريطة سايكس بيكو... هذا هو مشروع القرن الواحد والعشرين الذي رغم كل الأدلة والبراهين الثابتة لم يحظ باهتمام القادة العرب، حتى من باب الاحتمالات.
وها نحن ندخل عام 2015 مع أحدث وأخطر مراحل المشروع، والذي وصفه البعض بالحالة الجديدة «الخالية من الدماء والقتلى والأرامل، ومن القنابل والصراع الأيديولوجي...»، ولكنها قد تكون سببا في انهيارات خطيرة جدا، وعلى نار هادئة... إنها حرب أسعار النفط، التي بدأت بالانخفاض لمستويات فاقت كل التوقعات، حتى الآن، من دون ان تعلن بلداننا النفطية عن الأضرار المتوقعة، وما ستواجهه مجتمعاتنا، في أفضل وأسوأ الاحتمالات (السيناريوهات). 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق