الأحد، 11 يناير 2015

فساد منذ الاحتلال الامريكي للعراق في المؤسسة العسكرية / د.نزار السامرائي


هل يعود الفساد داخل المؤسسة العسكرية العراقية إلى يوم أعلن الرئيس الروسي بوتين عن معاقبته لعدد من كبار المسؤولين الروس بمن فيهم وزيرالدفاع ورئيس هيئة الأركان بسبب صفقة السلاح مع العراق؟



أم يعود إلى الساعة التي أعلن فيها حيدر العبادي عن نتيجة جردة سريعة أجراها في سجلات وزارة الدفاع ثم فرمل عليها بقوة خوفا من أن يؤدي الإصرار عليها إلى تهشيم واجهات زجاجية لا تريد طهران لها أن تخدش؟ فذلك قد يضع سمعة التحالف الشيعي موضع تساؤل وشك في قدرته على ممارسة الحكم الرشيد، ويسلط الأضواء على أن الكتل السياسية الشيعية التي جاءت مع الاحتلال الأمريكي لا تمتلك متانة أخلاقية تحول بينها وبين السطو على المال العام.
يقول ضابط كبير أحيل على التقاعد بموجب قرار حل الجيش العراقي الذي اتخذه الحاكم الأمريكي المدني بول بريمر، إن الفساد في المؤسسة العسكرية أصبح بعد الاحتلال فسادا مركبا وفي نطاق خطة كانت ترمي إلى تخريب هذه المؤسسة أخلاقيا كي تفقد ضبطها الذي يمثل مصدر قوتها. ويضيف هذا الضابط هناك فساد إداري في طريقة اتخاذ قرارات التعيينات والترقيات وإصدار الأوامر، وفساد مالي يكتنفه غموض عميق من الصعوبة الإحاطة بتفاصيله، وينقسم هذا الفساد على ما أرى إلى:-
1 – فساد في عقود التسليح: يؤكد محدثي أنه قرأ نصا عن عمولات السماسرة في صفقات التسليح والتي تفوق في مردودها تجارة المخدرات، ويقول ما من تجارة تحقق ثراء سريعا وغامض المصدر إلا وتفوح منها رائحة البارود، في إشارة إلى تجارة السلاح. وفي استعراض لصفقات السلاح الكبرى التي وقعها العراق عندما كان حازم الشعلان وعبد القادر العبيدي يشغلان منصب وزير الدفاع، عقد العراق صفقة سلاح مع أوكرانيا بمبلغ يزيد على 4 مليارات دولار وتضمن شراء 420 ناقلة جنود مدرعة من نوع BTR4، وكانت العربات قديمة الصنع وأعادت أوكرانيا تأهيل 62 عربة منها، ثم ماطلت في تسليم بقية المدرعات.
ولم يتوقف الفساد عند هذه النقطة، على الرغم من تصاعد الدعوات من نواب لفتح تحقيق في وقائع ما تزال حتى اللحظة محل نقاش وغاب أبطالها عن المشهد السياسي بعد أن أصبحوا من أصحاب الملايين ويمتلكون حسابات مصرفية متخمة وعقارات منتشرة في أكثر من عاصمة عربية وأوروبية، ومع أنهم معروفون بأسمائهم وأرصدتهم ويشار إليهم بأصابع الاتهام لكن ذلك لم يتـحول إلى إجـراءات قضائية أو منـــاقشــات علنية أمام السلطة التشريعية.
يقول عضو في لجنة النزاهة البرلمانية إن الحديث المستفيض عن ملفات الفساد أيام وزراء الدفاع السابقين والذين أفلتوا من الحساب والمساءلة، كان يراد منه أن يكون تأشيرة دخول لمسؤولين كبار في الحكومات اللاحقة ليحذوا حذوا من سبقهم، ولعل الفضيحة التي رافقت زيارة نوري المالكي إلى موسكو في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وتفجرت بعد أن أقصى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض المسؤولين عن مناصبهم بسبب ما رافق الصفقة التي وقعها نوري المالكي مع بوتين بمبلغ 4 مليارات و200 مليون دولار والتي شملت شراء وتوريد 30 طائرة مروحية مهاجمة من طراز «مي – 28» و42 مجمع لمنظومات الدفاع الجوي من نوع «بانتسير».

وبعد كشف بعض صفحات فضيحة فساد صفقة السلاح الروسي بدأ أعضاء الوفد المرافق لنوري المالكي في زيارته لموسكو يتراشقون الاتهامات بالسطو على العمولة المتفق عليها بين المفاوضين الذين مهدوا لزيارة المالكي لموسكو، والتي قيل إنها وصلت إلى 195 مليون دولار. و قال عزت الشابندر الذي اتهم بأنه ضالع في الفضيحة بأنه هو الذي أوصل رأس الخيط للمالكي قبل غيره، وفقد علي الدباغ الوزير الناطق باسم الحكومة منصبه وعاد إلى مقر إقامته في الإمارات العربية، من دون أن توجه له تهمة ما، وهذا ما أكد أن هناك تسترا من جانب رئيس الحكومة الراحل نوري المالكي على كل أشكال الفساد.

كتب هاشم العقابي وهو صحافي عراقي في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، يقول «العراق الذي هو الاستثناء إذ ينعم فيه سماسرة السلاح والمنتفعين من هذه الأموال المسروقة لا بالمال فقط إنما بالسلطة والحماية والنفوذ والحصانة ويتنقلون كالأمراء خارج الوطن دون أن يجرؤ أحد على التقرب منهم وفي مقدمه هؤلاء وزراء الدفاع ومن يقف خلفهم من رجال الخط الأول في الظل». ويضيف العقابي «بطل الحكاية ورائدها الأول.. حازم الشعلان زير الدفاع العراقي الأسبق في حكومة إياد علاوي الذي كان رجل إعمال بسيطا في لندن فخلال فترة ولايته الممتد لـ 10 أشهر فقط اختفى مع أكثر من 800 مليون دولار من أموال ميزانية الوزارة».
وقال العقابي «اشترك في عمليه نهب الأموال كل من رجل الإعمال ناصرالجميلي وزياد القطانالذي كان يعمل بائع شاورما في بولونيا، وأظهرت التحقيقات أن مبلغ 1.7 مليار دولار دخلت في حساب مصرف الرافدين العراقي في عمان قبل أن تختفي تماما عبر حساب اردني! ومن جملة ما تم اكتشافه صكان اثنان موقعان باسم وزارة الدفاع العراقية الأول بقيمة 149مليون دولار والثاني بقيمة 348 مليون دولار كانت من ضمن جملة تحويلات مالية كبيرة دخلت في حساب مصرف «الوركاء» ثم نقلت الأموال إلى عمان لحساب ناصر الجميلي. وأكد العقابي بأن وزارة الدفاع أهم من كل وزارات الاختلاس والنهب في العراق إلى حد دخول المناصب الوزارة في مزايدة علنية مما يعني أن من يدفع ثمنا لمنصبه أن يسترد ما دفع إضعافا مضاعفة.
2 – فساد في موجود الوحدات العسكرية من ضباط ومراتب وجنود وهو ما صار يعرف بالجنود الفضائيين، وهذا ما كشفه رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي بعيد مدة وجيزة من أدائه اليمين الدستورية. ففي مراجعة سريعة جدا على حد وصفه، قال إنه اكتشف 50 ألف اسم وهمي يتقاضون رواتب في الجيش ولا وجود حقيقيا لهم في الواقع، وفي الوقت الذي اعتبر المراقبون أن ما قاله العبادي يعد اتهاما مباشرا لسلفه نوري المالكي، نفى الأخير وجود هذه الظاهرة نفيا قاطعا معتبرا أنها محاولة «للطعن في نزاهته» في حين ذكر مهدي الغراوي وهو أحد كبار القادة العسكريين المتهمين بالتقصير في الدفاع عن الموصل في 9/6/2014، أن جانبا كبيرا من الأموال التي تجمع عن رواتب «الجنود الفضائيين» كانت تحول لمكتب القائد العام للقوات المسلحة، وهو المكتب الذي حله حيدر العبادي بعد أيام من تسلمه لمنصبه.
يقول ضابط إداري ما زال في الخدمة حتى بعد الكشف عن هذه الفضيحة «إن للمناصب العسكرية العليا استحقاقات من الجنود الوهميين، فقائد الفرقة له حد أعلى لا يجوز تجاوزه، وكذلك آمر اللواء وآمر الفوج وآمر السرية، وكل واحد منهم كان يحول جزءً من الدخل الفائض إلى من هو أعلى منه، ولهذا كانت المناصب العسكرية تباع بأسعار عالية تتناسب وما تدره من دخل شهري ثابت يحول الواحد منهم في غضون سنة أو أكثر بقليل إلى ثري يشار إليه بالبنان وبعدها لن يهمه إذا أزيح عن منصبه».
ومما عزز هذا النوع من الفساد أن القادة والآمرين منحدرون من أحزاب وميليشيات متنفذة على مستوى العملية السياسية، بسبب القرار الذي اتخذه بول بريمر بدمج الميليشيات في المؤسسة العسكرية وتحويل أمري المجاميع فيها إلى ضباط برتب تقترب مما تحت إمرتهم من عناصر، وبالتالي لا يستطيع الضباط المنحدرون من مؤسسات عسكرية محاسبتهم، فانتقلت الحالة المرضية إلى هؤلاء بدلا من قيامهم بتقويم اعوجاج العناصر الطارئة، كما أدى ضياع الضوابط العسكرية إلى منح القدم العسكري من قبل مكتب القائد العام للقوات المسلحة، استنادا إلى القرابة أو الولاء أو دفع الرشوة المالية.
3 – فساد ناجم عن سلطة الاعتقال الممنوحة للوحدات العسكرية، مما يعطي هذه الوحدات من أصغر فرد فيها إلى آمريها، لابتزاز ذوي المعتقلين وإرغامهم على دفع الفدية مقابل إطلاق سراح معتقليهم، وترتفع مبالغ الفدية وفقا للمكانة المالية التي يحتلها المعتقل أو أحد أقاربه.
أثناء العمليات العسكرية، بل وحتى في الظروف الطبيعية، كانت الوحدات العسكرية تحتفظ في مقارها الثابتة أو الجوالة، بسجون لأفرادها الذين يرتكبون مخالفات انضباطية، ولكن الآمرين والقادة توسعوا في استعمالات هذه السجون التي لا تخضع لأي رقابة قضائية، فجعلوا منها مكاتب «استثمارية» لجني الأموال الطائلة، فيكفي أن يعرف الآمر أو القائد أن في منطقته بعض العائلات الثرية، إلا ويباشر في وضع الخطط لاعتقال بعض أفرادها ولتبدأ بعد ذلك المساومات بين الطرفين مقابل إطلاق سراح المعتقل أو المعتقلين، هذا بدوره أدى إلى أن تخضع مناطق خدمة الضباط إلى منافسات بينهم ومقايضات ودفع عملات كبرى للحصول على «مناجم الذهب».
ومع ذلك تتعدد أوجه الفساد داخل المؤسسة التي حافظت على نقاوتها لزمن طويل حتى جاء الأمريكيون وقرروا أن تخريب المجتمع العراقي يبدأ بضرب المؤســســة المــعــروفة بدقة عملها، ثم لتبدأ مسيرة الانهيار والتداعي كقطع الدومينو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق