الأحد، 4 يناير 2015

ثمن هز الأكتاف 4.3 بليون دولار / هاورد ديفيز




في نوفمبر، أعلنت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة عن تسوية تقضي بتغريم ستة بنوك ما مجموعه 4.3 بليون دولار أميركي لتلاعب هذه البنوك بسوق الصرف الأجنبي. ورغم هذا، لم تتأثر أسعار الأسهم إلا بالكاد. ولكن لماذا؟

الواقع أن الممارسات الشائنة والإخفاقات الإدارية التي كَشَف عنها تحقيق دام عاماً كاملاً والتي أدت إلى هذه الغرامات كانت صادمة ومروعة. وقد كشفت الرسائل المتبادلة على البريد الإلكتروني والمحادثات شبه الأمية في غرف الدردشة بين تجار فاسدين عن مؤامرات وقحة للتلاعب بسعر صرف ما بعد الظهيرة طلباً للربح وتحقيق مكاسب شخصية. وكان كبار المديرين مهملين إلى الحد الذي جعلهم يسمحون لموظفيهم بالتصرف وكأنهم أطفال مدللون مبتذلون يحصلون على أجور أعلى مما يستحقون. فباستخدام أسماء مستعارة مثل «الفرسان الثلاثة» و»الفريق أ»، فعلوا كل ما يحلو لهم، وبتكلفة هائلة تحملتها مؤسساتهم.ولكن، برغم الغرامة الضخمة التي فرضتها هيئة السلوك المالي، فلم يُرغَم أي مسؤول تنفيذي كبير على «الانتحار»، ولم تتجاوز ردود فعل المستثمرين هز الكتفين بلا اكتراث. ومن بين الأسباب بطبيعة الحال أن هذه التسوية كان من المعروف أنها قادمة؛ ولم تكن الأخبار الجديدة سوى تلك المتعلقة بتفاصيل الجرائم وحجم الغرامات.ولكن السبب الأكثر أهمية رغم ذلك هو أن حتى مبلغ الـ 4.3 بليون دولار ليس أكثر من دريهمات قليلة مقارنة بمجموع الغرامات وتكاليف التقاضي التي تكبدتها البنوك الكبرى على مدى السنوات الخمس الماضية. وتشير تقديرات محللي شركة مورجان ستانلي إلى أن أعلى 22 بنكاً في الولايات المتحدة وأوروبا أرغِمَت على دفع 230 بليون دولار منذ عام 2009 ــ أكثر من خمسين ضعف تكلفة تسوية هيئة السلوك المالي. وهذا علاوة على الخسائر الثقيلة التي تكبدتها البنوك بسبب الإقراض الرديء والهندسة المالية المفرطة في الطموح.
وقد تكبدت بنوك أميركية أكثر من نصف هذه العقوبات الضخمة. وكانت الفاتورة التي تحملتها البنوك الأوروبية أعلى قليلاً من 100 بليون دولار ــ ونصف هذا المبلغ تقريباً تحملته أعلى سبعة بنوك بريطانية.ولكن الأرقام لا تنبئنا بأكثر من جزء من القصة. ففي الولايات المتحدة، هيمنت على العقوبات غرامات عن مبيعات من أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري وتم تسويقها بشكل مضلل، وغالباً لكيانات تدعمها الحكومة مثل فاني ماي وفريدي ماك. ومن الإنصاف أن نقول إن البنوك لا تقبل بشكل كامل الحجج التي تسوقها الهيئات التنظيمية في هذا الشأن، ولكنها دفعت على مضض. (فرضت الهيئات التنظيمية الأميركية أيضاً عقوبات عالية على بنوك أجنبية بسبب انتهاكات لعقوبات أميركية مرتبطة بإيران).
ويشير تحليل مورجان ستانلي إلى أننا من الممكن أن نتوقع 70 بليون دولار أخرى من الغرامات وتكاليف تقاضي على مدى العامين المقبلين بسبب أخطاء وحالات سهو تم تحديدها بالفعل. وقد تنشأ حلقات جديدة؛ فقبل عامين لم يكن أحد ليتوقع التداعيات المترتبة على التلاعب بأسواق صرف النقد الأجنبي.
والمفارقة هنا ــ والتي لم تغب على المديرين الماليين للبنوك الكبرى ــ هي أنه بقدر سرعة البنوك في إضافة رأس المال من إصدارات الحقوق والأرباح التي تحتفظ بها لتلبية مطالب الهيئات التنظيمية الاحترازية، تستنزف هيئات تنظيم السلوك الأموال. والآن أصبح حجم العقوبات كبيراً بالقدر الكافي لإحداث تأثير كبير على ميزانيات البنوك العمومية، وتأخير استعادة صحتها، وتقييد قدرتها على الإقراض.والواقع أن بعض المال، وبخاصة في المملكة المتحدة، أعيد إلى مستهلكين أفراد. ولكن القدر الأكبر من المال ذهب إلى الهيئات التنظيمية ذاتها ثم إلى الحكومات الوطنية. وفي المملكة المتحدة، ساعدت الغرامات في تغطية تكاليف الهيئات التنظيمية: فقد خفضت العناصر السيئة الرسوم المفروضة على العناصر الطيبة، الأمر الذي خلق حلقة مرتدة إيجابية. واليوم، أصبحت المدفوعات كبيرة إلى الحد الذي حمل الحكومات على الاستيلاء عليها وتوجيه العائدات التي تزيد على تكاليف التنفيذ من قِبَل الهيئات التنظيمية إلى جمعيات قدامى المحاربين الخيرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق