السبت، 3 يناير 2015

الغرب لا يفهم الروس / بيوتر رومانوف


موسكو تايمز – ترجمة قاسم مكي 

تستحضر العقوباتُ التي فرضها الغرب على روسيا إلى الأذهان عاملَ الشخصية القومية الذي أصابه النسيان منذ أمد مديد. فإذا عدنا القهقرى إلى أيام كبار أساتذة السياسة وتحديدا أوتو فون بيسمارك الألماني وكلمنص فون ميترنخ النمساوي (الأول، 1815-1898، رئيس وزراء ألمانيا وموحدها والثاني، 1773-1859، وزير خارجية ومستشار إمبراطورية النمسا- المترجم) لوجدنا أن الدبلوماسيين كانوا دائما ما يضعون ذلك العامل في بالهم. ولكن الساسة المعاصرين "يشتغلون" على مستوى أدنى من ذلك بكثير، وتحركاتهم على «رقعة الشطرنج الكبرى» أشد بدائية عند المقارنة بهم. إن ساسة اليوم، مثلهم مَثَل أسلافهم، يعتبرون المصالح الاقتصادية مهمة. ولكن لا توجد في نظرهم أية صلة بتاتا بين الاعتبارات المتعلقة بالشخصية القومية والعالم الحديث. وكنتيجة لذلك فإن أقدامهم تَزِلّ ويرتكبون أخطاء فادحة تزيد الوضع سوءا على سوئه. 



لقد حاول الغرب فهم الشخصية الروسية. فمثلا يرى المراقبون أن الشعب الروسي يفضل الدولة المركزية القوية أكثر من تفضيله للحريات الشخصية. بل إن بعضهم يشير إلى تركيبة نفسية خاصة بموسكو تتصف بالمرونة الشديدة (تجاه المصائب) والمحافظة ونظرة للعالم شكلتها المعتقدات الروسية الأرثوذكسية وتحبيذ للحكم الملكي. إن هذه النظرية إشكالية، ليس أقلَه لأنها تتجاهل تماما التجربة التاريخية لروسيا مع الديمقراطية. لقد انتخب الروس أمراء وقياصرة ورؤساء. وهزت أراضي روسيا ثلاث ثورات وأعدادا لا تحصى من الانتفاضات المدفوعة برغبة حارقة في الحرية. لذلك لا يوجد أساس إلى حد ما للقول بأن الروس أقل حبا للحرية أو أنهم يمنحونها قيمة أدنى مما يفعل الآخرون. ولكن بعض عناصر هذه النظرة أقرب إلى الحقيقة. فمن أجل المحافظة على أراضي روسيا الشاسعة الواسعة (من بحر البلطيق وإلى المحيط الهادي) والدفاع عنها احتاج الروس إلى دولة قوية وزعيم قوي. وكان لزاما عليهم إبداء "مرونة استثنائية" في حياتهم الخاصة بهم. وعبر القرون شكلت ظروف المكان هذه الشخصيةَ الروسية. ولو أن الله سبحانه وتعالى وضع الشعب الروسي في بلد أوروبي غربي صغير لكان من الممكن تماما أن يفضِّل شكلا برلمانيا للحكم بسلطات رئاسية قوية وأن يشعر بالارتياح داخل إطار الاتحاد الأوروبي. إن الروس يحبون توجيه النقد إلى أنفسهم وإلى السلطات وإلى دولتهم الضخمة التي تفتقر إلى الرشاقة. ولكنهم يكرهون النقد حين يأتي من الأجانب. ربما أن ذلك خطأ. وربما من الطبيعي أن الغرباء أكثر موضوعية. ولكن سواء كانوا على صواب أو خطأ فهذه هي طبيعتهم. وأكثر ما يكرهه الروس أن تضغط عليهم القوى الأجنبية عن طريق استخدام القوة. إن تلك أفضل طريقة لحشد الروس وإجبارهم على الوحدة والتصدي للخصم. وأخيرا في حين أن الغربيين معتادون على العمل داخل إطار من القوانين المحددة بوضوح إلا أن الروس أكثر قبولا لفكرة العدالة. وذلك ما يفسر قلة اهتمام الروس بالحجج التي ترى أن ضم موسكو للقرم انتهاك للقانون الدولي. إن الدبلوماسيين والساسة الروس مستعدون، بموجب مقتضيات وظائفهم، لمناقشة تلك القضية. ولكن الأغلبية الساحقة من الروس ستؤكد ببساطة أن ضم القرم إحقاق للعدالة التاريخية. ومثلهم مثل شيشرو (الخطيب ورجل الدولة الروماني الشهير- 3 يناير 106 ق.م – 7 ديسمبر 43 ب.م) فهم يعتقدون أن كل ما هو أكثر إنصافا هو أيضا الأصح أو الأكثر صوابا. وهذا هو السبب في عدم فعالية العقوبات في مواجهة الشخصية والعقلية الروسية. وإذا كان هدف العقوبات إجبار روسيا على تغيير سياستها الداخلية والخارجية فسوف لن تنجح. وإذا كان هدفَها إضعافَ موقف الرئيس فلاديمير بوتين في الداخل فستفشل أيضا. فقط حين يقرر الشعب الروسي نفسه أنه ضجر من بوتين عندها سيصل حكمه إلى نهايته ولكن ليس قبل ذلك. وليس بسبب أي ضغط من الغرب. وما هو أكثر من ذلك فقد أوضح مسح أجراه مؤخرا مركز ليفادا أن 60% من الروس شعروا في سبتمبر أنهم تأثروا بالعقوبات في حين شعر 47% فقط منهم بذلك بحلول نوفمبر. ومن المثير أن 80% من أصحاب الردود على الاستبيان نوَّهوا بالارتفاع الحاد في الأسعار وتدهور وضع الاقتصاد الروسي في الأعوام الأخيرة. أليس ذلك غريبا؟ هل الشعب الروسي لم يفهم معنى ذلك؟ في الحقيقة إن الغرب هو الذي لم يفهم. فالروس تحملوا العقوبات برباطة جأش. إنهم يقولون «نعم لقد صارت الحياة أكثر مشقة. ولكننا سنتحمل ذلك ونتجاوزه.» ولا يوجد جديد في أن يشدَّ الروس الأحزمة ويصبروا على المشاكل ويكتفوا بالقليل من أكياس البطاطس الإضافية وبوعاء أو وعاءين من مخللات حدائق ملذاتهم الريفية (الداتشا). تقول حكاية متداولة أن أجنبيا بينما كان يمشي في شوارع موسكو الباردة التي تغطيها الثلوج صادف ولدا يأكل بمتعة حلوى الآيس كريم. علق الرجل قائلا «إنني أفهم الآن لماذا هذا الشعب حقا لا يُقهَر.» بالطبع أنا لا أحاول إثبات أن الروس شعب كامل أو أنه دائما على حق. أنا أقول فقط أن على الساسة الغربيين تذكر ما كان يعرفه أسلافهم الأوائل. وهو بالتحديد أن على الغرب سواء أراد ذلك أم لم يرد إيجاد وسيلة للتعايش على هذا الكوكب مع روسيا والشخصية الروسية. إن السماء زرقاء والماء رطب وروسيا ضخمة والروسَ روسٌ. وذلك هو السبب الذي جعل بسمارك العاقل يحذر مواطنيه قائلا «نسأل الله ألا يبتلينا بالـ(درانج ناخ أوستين)» أي بالرغبة في التوسع شرقا نحو الأراضي السلافية. وسيُحسِن قادة اليوم صنعا إذا تذكروا نصيحة الحكيم التي مَحَضَهَا لمجايليه جَدُّ الدبلوماسية الألمانية. وحتى إذا نجحت العقوبات في إضعاف روسيا فإنها ستفشل في تحقيق أهدافها السياسية. وأكثر من ذلك فإنها ستتسبب في قدر كبير من العنت لأولئك الذين يفرضونها. وأنا أشك حقا في أن الناخبين الأوروبيين سيرغبون في إعادة انتخاب القادة الذين حرموهم من السوق الروسي المربح وشنُّوا نسخة جديدة من الحرب الباردة. إن الحل الوحيد هو الوصول إلى تسوية. فالروس أصحاب إرادة قوية ويتصفون بصلابة الشخصية ولكنهم لا يرغبون في متاعب غير ضرورية. وإذا كان مما ليس منه بد ففي مقدورهم تحمل صعوبات جَمَّة. ولكنهم ليسوا مازوخيين ولا يستعذبون تعذيب الذات.

• الكاتب صحفي ومؤرخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق