الأحد، 4 يناير 2015

المرونة والتفاعل الصحيح سر نمو الصين / تشانج جون



يشعر العديد من الناس بالتشاؤم العميق إزاء آفاق النمو الاقتصادي في الصين، وذلك بسبب ظهور الديون الضخمة، والاستثمار المفرط، والقدرة الزائدة، وما يسمى "مدن الأشباح"، منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ولكن هذه المشاكل ليست جديدة. فقد أثرت، على أكثر من نحو، على الاقتصاد الصيني منذ عام 1978، وكانت واضحة في اقتصادات أخرى عالية الأداء في شرق آسيا تايوان، وكوريا الجنوبية، بل وحتى اليابان خلال فترات النمو السريع التي مرت بها.
ورغم هذا، سجلت الصين نمواً سنوياً بلغ في المتوسط 9.7% على مدى خمسة وثلاثين عاماً منذ بدأ دنج شياو بينج برنامج "الإصلاح والانفتاح". واستغرق الأمر أربعين عاماً فقط لإتمام انتقال كوريا الجنوبية وتايوان من حالة الدخل المنخفض إلى حالة الدخل المرتفع.
ولكن كيف تمكنت هذه الاقتصادات من النمو بهذه السرعة ولهذه الفترة الطويلة والتغلب على المشاكل الخطيرة التي واجهتها على طول الطريق؟ الإجابة بسيطة: المرونة.
إن التنمية الاقتصادية عملية معقدة، وذاخرة بالتحديات والمخاطر، والنجاحات والإخفاقات، والصدمات الخارجية والتقلبات الداخلية. ومن الواضح أن التأثيرات الضارة مثل ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والقدرة الزائدة حتمية.
وإذا فشل أي بلد في الاستجابة على النحو الملائم للتحديات الجديدة كلما نشأت، فسوف يتوقف النمو الاقتصادي والتنمية لا محالة. على سبيل المثال، أصبحت عدة بلدان في أميركا اللاتينية وجنوب آسيا غارقة في ما يسمى "فخ الدخل المتوسط"، لأنها فشلت في تعديل نماذج النمو في الوقت المناسب.
وبهذا المعنى فإن اقتصادات شرق آسيا تبنت عملية "التدمير الخلّاق" التي وصفها رجل الاقتصاد النمساوي جوزيف شومبيتر، والتي تجعل البنية الاقتصادية في حالة من التغيير الجذري المستمر من الداخل. وعلاوة على ذلك، من خلال تنفيذ إصلاحات تراكمية تعمل على تسهيل بل وحتى تشجيع إحلال موارد النمو القديمة غير الفعّالة بموارد جديدة أكثر ديناميكية، نجحت هذه الاقتصادات في التعجيل بهذه العملية.
على سبيل المثال، جاء تحفيز الإصلاحات الزراعية المعززة للإنتاجية في ثمانينيات القرن العشرين جزئياً بفعل النمو في القطاع غير الزراعي، نتيجة لسياسات استهدفت تحفيز روح المبادرة التجارية في البلدات والقرى. وعلى نحو مماثل، عكفت الصين في التسعينيات على معالجة تراكم الديون الرديئة ومشاريع البناء التي لم تكتمل نتيجة للخسائر المزمنة التي تتكبدها الشركات المملوكة للدولة والإفراط في الاستثمار في العقارات، على التوالي من خلال تنفيذ إصلاحات مؤسسية عملت على تحفيز النمو في قطاعات أكثر ديناميكية، وبالتالي التعويض عن العائد المتدهور على رأس المال في الشركات المملوكة للدولة.
وبالتالي، كانت المرونة السمة المميزة للتفاعل بين الحكومة والأسواق منذ إطلاق إصلاحات دنج. ووفقاً لرجل الاقتصاد الراحل جوستاف رانيز فإن ديناميكية التفاعل بين السياسات ومؤسسات السوق كانت المفتاح إلى نجاح اقتصادات شرق آسيا. على سبيل المثال، ساعدت إزالة المركزية المالية في الصين، والتي حفزتها مطالبة المؤسسات المحلية بالمزيد من الاستقلال، في تغذية المنافسة الإقليمية والحفاظ على بيئة اقتصادية داعمة للسوق بشكل متزايد.
كما انعكست هذه الديناميكية التفاعلية في تشكيل السياسات الصناعية. ففي الصين، وبرغم ازدهار تكتلات نشطة من شركات التصنيع الأصغر حجما، لم يفعل صناع السياسات سوى القليل نسبياً لتشجيع التنمية الصناعية ورفع مستوى الصناعات. وهذا من شأنه أن يترك لمؤسسات السوق توجيه العملية على النحو الذي يضمن اضطلاعها بدور أساسي في القطاعات الصناعية المتوسعة.
وتمثل الحكومات المحلية في شرق آسيا مصدراً آخر للمرونة. فبادئ ذي بدء، تتولى الحكومات المحلية المسؤولية عن الإنفاق الرأسمالي العام، الذي يدفع عملية تحسين البنية الأساسية المادية ويدر عوائد معقولة على الاستثمارات الخاصة. وهذا من شأنه أن يعزز هدف مساعدة الشركات المحلية، وخاصة الشركات المبدعة الصغيرة والمتوسطة الحجم، على تحقيق النمو والازدهار. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل الحكومات المحلية أيضاً على مساعدة رجال الأعمال على الوصول إلى سلاسل الإنتاج العالمية. وكانت مقاطعات مثل تشيجيانج وجوانجدونج ناجحة بشكل خاص في هذه الجهود وليس من المستغرب أن تحتل هذه المقاطعات مرتبة عالية بين الاقتصادات الإقليمية الأكثر نشاطاً في الصين.
وأخيرا، أثبتت الحكومات المحلية استعدادها لدعم الإبداع المؤسسي. وهذا يسمح بالقدر اللازم من المرونة لمعالجة التحديات البنيوية على المستوى المحلي، وبالتالي منعها من عرقلة النمو.
بعد ثلاث سنوات من النمو المتباطئ والديون المرتفعة، تجد الصين نفسها مرة أخرى عند مفترق طرق. ومن حسن الحظ أنها تختار فيما يبدو مسار المرونة والتكيف، في حين تلاحق خطة إصلاح طموحة من المؤمل أن تمكنها من الاقتراب من عتبة الدخل المرتفع وعبورها في نهاية المطاف.

تشانج جون أستاذ الاقتصاد، ومدير مركز الصين للدراسات الاقتصادية بجامعة فودان في شنغهاي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق