السبت، 10 يناير 2015

العلاقات الكوبية الأميركية: هل سيعود سيجار هافانا إلى واشنطن ؟ / محمد نجيب السعد



مقدمة:
كانت كوبا والولايات المتحدة على خلاف منذ أن سيطر فيدل كاسترو على السلطة في عام 1959. وعلى الرغم من ان الإدارات الأميركية المتعاقبة طبقت اجراءات صارمة ضد كوبا، بما في ذلك الحصارالاقتصادي ووضع كوبا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، الا ان تلك الأجراءات لم تفل من عضد الدولة الكوبية على نحو كبير. وشهدت سياسات الولايات المتحدة تجاه كوبا بعض التغير عندما سلم فيدل كاسترو رسميا رئاسة كوبا لشقيقه راؤول في عام 2008 وعندما دخل باراك أوباما البيت البيض رئيسا للولايات المتحدة، وبعد اتصالات حثيثة، تمكّن الفاتيكان من ردم بعض الهوة بين هافانا وواشنطن، وأجرى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وزميله الكوبي، راؤول كاسترو، مكالمة هاتفية دامت حوالي ساعة كاملة وذلك بعد جفاء وانقطاع دبلوماسي دام طوال نصف قرن.



غيفار، راؤول واخيه فيدل كاسترو

ـــــــــ
العلاقات الكوبية الأميركية: خمسون عاما من القطيعة:
انفرط عقد العلاقات الأميركية الكوبية بعد وصول فيدل كاسترو الى سدة الحكم في هافانا في العام 1959 ، بعد أسقاطه ورفاقه في الحزب الشيوعي حكومة الرئيس فولجنسيو باتيستا. سارعت واشنطن بالاعتراف بالحكومة الجديدة وكان كاسترو الذي اصبح رئيسا للدولة قد كلف احدى الشخصيات البرجوازية ( خوزيه ميرو كاردونا ) برئاسة الحكومة، تفاديا لأجراءات السياسة الأميركية المعادية للشيوعية والاشتراكية، وسرعان ما بدأت العلاقات الأميركية الكوبية بالتدهور عندما قامت كوبا بتأميم الشركات، وتحديداً، شركة “الفواكه المتحدة”.
 وفي ابريل 1959، زار الرئيس كاسترو واشنطن بناء على دعوة من جمعية رؤساء تحرير الصحف الاميركية والتقى مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، وتجنب الرئيس الأميركي ايزنهاور اللقاء مع كاسترو بحجة ارتباطه بمباراة للغولف وقد طلب الرئيس الأميركي من نائبه التحقق من انتماء كاسترو السياسي ومدى ميوله لجانب المعسكر الشرقي، وخلص نائب الرئيس نيكسون إلى أن كاسترو: شخص ساذج لا يفقه كثيرا في الشيوعية . في فبراير 1960، اشترت كوبا النفط من الاتحاد السوفيتي ورفضت الولايات المتحدة المالكة لمصافي تكرير النفط في كوبا التعامل مع النفط السوفييتي، فقام كاسترو بتأميم المصافي الكوبية. ازدادت الأمور تدهورا بين الطرفين ورفع كاسترو الضرائب على الواردات الأميركية، وردت الولايات المتحدة بزيادة الضغوط الاقتصادية على هافانا. خفض الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور من واردات السكر الكوبي، وهي الصناعة الرئيسية في البلاد. ثم فرضت واشنطن حظرا على جميع الصادرات الكوبية تقريبا، وفرض الرئيس جون كينيدي حصارا اقتصاديا كاملا شمل فرض قيود صارمة على السفر.
وبحلول أوائل الستينيات كانت الولايات المتحدة قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع كوبا وخطت للعديد من العمليات السرية للإطاحة بالرئيس كاسترو. في عام 1961 شنت واشطن محاولة فاشلة سميت غزو خليج الخنازير بتخطيط من وكالة المخابرات المركزية لاسقاط الحكومة الكوبية، مما زاد في تعكير الاجواء بين البلدين وألهب المشاعر القومية بين الكوبيين، وادى الى اتفاق سري يسمح للاتحاد السوفياتي بناء قاعدة للصواريخ في الجزيرة. اكتشفت الولايات المتحدة هذه الخطط في أكتوبر من عام 1962، مما تسبب في مواجهة اميركية سوفيتية استمرت أربعة عشر يوما. فرضت السفن الأميركية حصارا بحريا على الجزيرة، وطالب كينيدي بتدمير مواقع الصواريخ. انتهت أزمة الصواريخ الكوبية باتفاق يتيح بتفكيك الصواريخ إذا تعهدت الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا (وصفقة سرية وافقت بموجبها الولايات المتحدة على إزالة صواريخها النووية من تركيا).

منذ أحداث 1961-1962، كان الحصار الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية اهم مقومات سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وعززت واشنطن الحظر مع سن قانون ديمقراطية كوبا في العام 1992 الذي قدمه عضو الكونجرس روبرت توريسيلي وقانون هيلمز بيرتون في العام 1996 ، الذي قدمه السيناتور جيسي هيلمز وعضو مجلس النواب دان بيرتون واللذين نصا على عدم جواز رفع الحصار الا في حالة قيام كوبا باجراء انتخابات حرة وتشكل حكومة ديمقراطية تستبعد الاخوين كاسترو (ومن المقرر ان يترك راؤول منصبه عام 2018). ويدعو القانونان أيضا إلى إدخال تحسينات في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك ضمان حرية الصحافة والإفراج عن السجناء السياسيين. وقد أدخلت بعض التعديلات على الحظر التجاري بغية تصدير بعض اللوازم الطبية والمنتجات الزراعية الأميركية الى كوبا. وقد وقعت العديد من الشركات الأميركية صفقات زراعية مع كوبا في السنوات الأخيرة. ولكن الحكومة الكوبية تقول أن أكثر من خمسين عاما من القيود التجارية الصارمة أدى إلى خسارتها حوالي مئة وستة وعشرين ترليون دولار.
لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين الولايات المتحدة وكوبا، وما زات العقوبات الاميركية الصارمة موجودة، الا ان الاتصالات بين البلدين في ازدياد . وقد خففت بعض القيود الأميركية خلال فترة ادارة الرئيس أوباما. في حين أن إدارة جورج دبليو بوش زادت من قوة الحصار على كوبا وخفضت بشكل حاد سقف التحويلات العائلية (من 3000 $ إلى 300 دولار فقط في عام 2004) . الا أن الرئيس أوباما غير بعض هذه السياسات خلال ولايته الأولى، وسمح للأميركيين بإرسال الحوالات في كوبا، حتى أن لم يكونوا من عائلة واحدة، كما سمح لهم بالسفر الى كوبا لغايات دينية أو تعليمية. استأنفت إدارة أوباما أيضا محادثات الهجرة مع المسؤولين الكوبيين في عام 2009 (بعد أن كانت توقفت خلال الإدارة السابقة). وأستؤنفت محادثات منتظمة حول الهجرة في عام 2013. وسمح للأميركيين الذين لديهم أقارب في كوبا بالسفر الى هناك ، والسماح لهم بتحويل ما يشاؤن من مبالغ.

أفاق تطبيع العلاقات:هل ستخّدن واشنطن سيجار هافانا من جديد:

ومع ذلك، ما زالت هناك بعض العقبات التي تقف في طريق تطبيع العلاقات بين البلدين. كانت إحدى النقاط العالقة بين الطرفين ومصدرا رئيسي للتوتر قضية آلان جروس، الذي يعمل مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) والذي اعتقل في كوبا في عام ( أطلق سراحه في السابع عشر من ديسمبر الماضي 2009 مقابل اطلاق سراح ثلاثة كوبيين القي القبض عليهم مع اثنين اخرين في 1998 واتهموا بالتجسس على الجالية الكوبية في ميامي). سافر جروس الى كوبا لتسليم معدات اتصالات ونصب خدمة الإنترنت الى الاقلية اليهودية في كوبا. زعمت السلطات الكوبية انه حاول زعزعة استقرار النظام الكوبي خلال برنامج الترويج للديمقراطية الذي رعته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وحكمت عليه بالسجن لخمسة عشر عاما. أعتبرت السلطات الكوبية هذه البرامج “استفزازا غير عادي” بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وكوبا، كما تقول جوليا سويغ، مديرة قسم دراسات أميركا اللاتينية في مجلس الشئون الخارجية.
تبقى كوبا أيضا على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، منذ العام 1982 في ضوء تدريب فيدل كاسترو للمتمردين في أميركا الوسطى ، كما تقول واشنطن. أعلن كاسترو في عام 1992 أن كوبا لن تدعم المتمردين في الخارج، وجاء في التقرير السنوي لعام 2012 الصادر عن وزارة الخارجية انه لا تتوفر دلائل أن هافانا وفرت التدريب أو الأسلحة للجماعات الإرهابية. ويقول بعض المحللون ان هذا التقييم يظهر أن وضع كوبا على القائمة هو لدوافع سياسية وليس على أساس المخاوف الأمنية المشروعة.
جاء في التقرير السنوي لهيومن رايتس ووتش لعام 2013 ان كوبا “تواصل قمع الأفراد والجماعات الذين ينتقدون الحكومة أو الدعوة لحقوق الإنسان الأساسية” من خلال الاعتقالات والقيود المفروضة على السفر، والضرب، والنفي القسري، على الرغم من أن التقرير يقول أيضا إلى أن كوبا اطلقت سراح أكثر من خمسين سجينا سياسيا والأجانب في السجون الكوبية في عام 2010 و2011 بموجب اتفاق توسطت به الفاتيكان. وكانت الولايات المتحدة قد انتقدت علنا سجل كوبا في مجال حقوق الإنسان، ويقول أنصار الحظر الامريكي ان كوبا لم تستوفي الشروط المحددة في قانون الولايات المتحدة لرفع الحظر. معارضو الحظر، ومع ذلك، يقولون لقد فشل الحصار في تغيير حالة حقوق الإنسان في الخمسين سنة الماضية ويقولوا انه أضر بالمواطنين الكوبيين أكثر من الحكومة. ويشيرون أيضا إلى أن الولايات المتحدة لديها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع بلدان أخرى لها تاريخ مماثل لكوبا في قمع معارضيها.
لقد اثرت الجالية الكوبية في جنوب ولاية فلوريدا كثيرا في سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا. وخشي الجمهوريون والديمقراطيون خسارة كتلة انتخابية قوية في ولاية انتخابية مهمة في الانتخابات الرئاسية . و هناك مجموعة من المهاجرين الكوبيين المتشددين لا تريد تطبيع العلاقات مع هافانا حتى الأطاحة بالنظام الشيوعي. كتب ارتورو لوبيز-ليفي في مجلة السياسة الخارجية يقول ” لقد كانت الجالية الكوبية في منطقة ميامي أحد أعمدة دعم الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1980″. وأضاف أن هذه الكتلة التي تشكل حوالي 5٪ من سكان ولاية فلوريدا، نجحت بالفوز بمقاعد في الكونجرس بما في ذلك لينكولن دياز-بالارت، وشقيقه، عضو الكونغرس ماريو دياز-بالارت،و عضوة الكونغرس إليانا روس ليتينن، وعضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو، المعارض الشديد لكاسترو. ومع ذلك، يقول لوبيز ليفي أن مواقف هؤلاء السياسيين المتشددة ازاء كوبا لم تعد تتماشى مع آراء معظم الكوبيين الأميركيين. في حملته الانتخابية الثانية 2012 فاز باراك أوباما بخمسين بالمئة من الأصوات الكوبية ـ الأميركية.
تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين تريد إعادة تأسيس علاقات طبيعية مع كوبا. أظهرت عدة أستبيانات حديثة أن 50 الى 60 في المئة من الأميركيين، بما في ذلك الأميركيين من أصول كوبية ، تؤيد استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإنهاء حظر السفر، ورفع الحظر التجاري.
وعلى الصعيد العالمي، يدعم إجماع ساحق تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا . في أواخر عام 2013، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين الحصار الأميركي على كوبا ، مع 188 دولة أيدت القرار وعارضته الولايات المتحدة واسرائيل.
تقول جوليا سويغ من مجلس العلاقات الخارجية أن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذها راؤول كاسترو هي من النوع الذي طالبت به جميع الأدارات الأميركية على مدى السنوات الخمسين الماضية، الا أن واشنطن دارت ظهرها لتلك الأصلاحات. تضيف جوليا ” أعتقد أن الولايات فشلت في فهم الأشارات التي يرسلها راؤول كاسترو وهو الشريك الذي كانت تبحث عنه واشنطن”. في أواخر عام 2013، دعا كاسترو لأقامة علاقات متحضرة” مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن كلا الطرفين قد تمكنا من التفاوض على المسائل ذات الاهتمام المشترك خلال محادثات الهجرة، على الرغم من أنه رفض فكرة تغيير النظام السياسي في كوبا. وقال “نحن لا نطالب بأن تغير الولايات المتحدة نظامها السياسي والاجتماعي، كما أننا لا نقبل التفاوض حول تغير نظامنا .”
تولى راؤول كاسترو رسميا منصبه في عام 2008 و كوبا تعاني من معدلات شيخوخة عالية وديون خارجية ثقيلة، وصعوبات اقتصادية في ظل التباطىء الاقتصادي العالمي. في هذه البيئة، بدأ كاسترو تحرير أجزاء من الاقتصاد الكوبي الذي تسيطر عليه الدولة وتغيرت نبرة الخطاب الرسمي العدائية نحو الشركات الخاصة. كما خفف كاسترو القيود المفروضة على الحريات الشخصية، بما في ذلك ملكية بعض السلع الاستهلاكية والسفر خارج البلاد. يقول محللون ان توفر هذه التسهيلات الجديدة وفرت فرصة كبرى للولايات المتحدة لإقامة علاقة اقتصادية مع كوبا. من الإصلاحات التي قام بها راؤول كاسترو تطبيق اللامركزية في القطاع الزراعي من خلال منح الأفراد والتعاونيات عقود الإيجار لزراعة الأراضي الزراعية المملوكة للدولة، وتخفيف القيود على الشركات الصغيرة وإصدار تراخيص جديدة لفرص العمل في قطاع الخدمات، وتحرير أسواق العقارات، مما يسمح للكوبيين بشراء وبيع الممتلكات الخاصة، والقضاء على الشروط الكثيرة من اجل حصول الكوبيين على إذن الحكومة للسفر خارج البلاد، و توسيع فرص الحصول على السلع الاستهلاكية، والخدمة الخلوية والإنترنت.
لقد تضخم القطاع الخاص في كوبا كنتيجة مباشرة لهذه الإصلاحات. في عام 2014 أشارت تقارير أن القطاع الخاص يشغل نحو 20 في المئة من القوة العاملة في البلاد. وجاء في تقرير أصدره مركز الديمقراطية في الأمريكتين (CDA) أن إصلاحات كاسترو أقرت أن القطاع الخاص يمكن أن تلعب دورا في السياسة الاقتصادية ويجب أن يكون هذا النمو الاقتصادي المعيار المركزي للحكم على النجاح الاقتصادي.” لكن نتائج الإصلاحات في كوبا ليست واضحة بعد، والمراقبون يحذرون من الافتراض أن كوبا قد تحولت صوب الطريق الرأسمالي . كتب داميان كيف في صحيفة نيويورك تايمز قائلا ” أن الأصلاحات الكوبية مهمة لكنها لازالت محدودة للغاية، ولقد أدت تلك التحركات الأخيرة الى خلق رأسمالية مكبلة اليدين تمثلت في أسواق تنافسية عالية التنظيم لشركات عائلية صغيرة ” ويرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة يجب أن تستثمر إصلاحات كاسترو لتحسين علاقاتها مع كوبا. ويحذر تقرير مركز الديمقراطية في الأمريكتين من أنه ما لم تعترف واشنطن أن إصلاحات كاسترو “تمثل بداية هامة،” فأن التراخي في سياستها تجاه كوبا قد يستغلها المتشددون في كوبا والذين يعارضون الإصلاح أو التقارب مع الولايات المتحدة.” الخبير الاقتصادي ريتشارد فاينبيرغ يقول ان دعم التغيرات الاقتصادية الناشئة في كوبا قد يكون أفضل فرصة للولايات المتحدة لتشجيع التحول السياسي “على الرغم من عدم وجود علاقة أنية وخطية بين الإصلاح الاقتصادي الموجه نحو السوق والتحرر السياسي، الا ان النظرية السياسية والتاريخ الحديث تشيران الى أن الأتجاهين يعزز أحدهما الأخر، خاصة في نصف الكرة الغربي وعلى المدى الطويل “، ويضيف “وعلاوة على ذلك، في غياب النفوذ المباشر على المؤسسات السياسية للدولة ، فأن تشجيع الإصلاح الاقتصادي قد يكون الخيار الأكثر واقعية للنهوض بالتعددية السياسية.”
أوباما، من جهته، اعترف في نوفمبر 2013 أن واشنطن بدأت تلاحظ بعض التغيرات في كوبا وطالب بأنتهاج سياسة أميركية جديدة تجاه كوبا.
أن عقودا من العزلة عن الولايات المتحدة دفعت كوبا الى تطوير علاقاتها مع بلدان تقاسمها العداء للولايات المتحدة. كانت كراكاس أقرب حليف لهافانا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وانتخاب الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو شافيز. تعود علاقة البلدين الاقتصادية الى الاتفاق الإطاري للتعاون الثنائي بين فنزويلا وكوبا الذي وقع في عام 2000 وحدد تبادل النفط الفنزويلي بالسلع والخدمات الكوبية. وأعيد التأكيد على الاتفاق وتمديده لعشر سنوات أخرى في عام 2010. وفنزويلا تبيع الآن كوبا تسعين ألف برميل من النفط الخام يوميا بأسعار تفضيلية، وكوبا ترسل عشرات الآلاف من الكوادر الطبية للعمل في فنزويلا. وشارك شافيز كاسترو عدائه للإمبريالية “، وشكل البلدان معا التحالف البوليفاري للأميركتين (ألبا)، وهي منظمة إقليمية شكلت كثقل يساري مضاد لما اعتبره كاسترو وشافيز منظمات إقليمية تهيمن عليها واشنطن. أصبح مستقبل العلاقة بين كوبا وفنزويلا أكثر ضعفا بعد وفاة شافيز في مارس عام 2013. على الرغم من أن خليفة تشافيز، نيكولاس مادورو، وعد بالحفاظ على علاقات وثيقة مع هافانا، الا أن فنزويلا تحت قيادة مادورو عانت من التضخم ومشاكل العملة، علاوة على تراجع أسعار النفط ، مما يجعل من قدرة كراكاس على معاونة هافانا أمرا بعيدا في المستقبل.
عززت كوبا أيضا علاقاتها التجارية مع عدد من البلدان الأخرى في السنوات الأخيرة. حتى بعد تخفيف الولايات المتحدة الحظر التجاري المفروض على كوبا للسماح للشركات الأميركية بتصدير المنتجات الغذائية والزراعية إلى كوبا، وتراجعت هذه الصادرات على مدى السنوات القليلة الماضية من 710 مليون دولار في عام 2008 إلى ما يقرب من نصف هذا المبلغ في عام 2012، بعد حصول هافانا على عروض مالية أفضل من دول عديدة من بينها الصين، وكندا، والبرازيل، وفيتنام. أن البرازيل والصين هي أكبر الشركاء التجاريين لكوبا بعد فنزويلا. وقد استثمرت البرازيل في المشاريع الكبرى في كوبا، بما في ذلك تحديث ميناء مارييل الكوبي، التي تقع قرب منطقة تنمية جديدة مخصصة لتوطيد علاقات كوبا مع غيرها من اقتصادات أميركا اللاتينية والآسيوية. تقول جوليا سويج أن هذه الاستثمارات تستغل الفرص التي تخلت عنها الولايات المتحدة .
محطات هامة في العلاقات الكوبية الأميركية

أولا : الثورة الكوبية
تقع كوبا فى مدخل خليج المكسيك، فى البحر الكاريبى، وجمهورية كوبا هى أرخبيل يتشكل من أكثر 4 آلاف جزيرة وتبلغ مساحة كوبا بالكامل110 الف و922 كم2 . اقرب الدول جغرافيا الى كوبا هى هايتى، والولايات المتحدة الأميركية، وجاميكا والمكسيك. 60 % من المساحة الكلية لكوبا عبارة عن سهول و 25% جبال. اتخذ المستوطنون الإسبان من كوبا مركزا زراعيا ونقطة تجمع و انطلاق نحو استكشافات أخرى في أمريكا الوسطى والجنوبية، وخلال ثلاثة قرون ، شعر السكان المحليون و العبيد السود المجلوبون من إفريقيا والمستعمرون المهاجرون بالاستياء من الاستغلال المفرط والقوانين الجائرة التي يفرضها الحكام الإسبان. وأمام ذلك ، بدأوا بسلسلة من حركات الاستقلال في ستينيات القرن التاسع عشر، بحيث تصاعدت في 1895 لتتحول إلى ثورة عارمة قادها خوسيه مارتي .تدخلت الولايات المتحدة الاميركية في سنة 1898 ، ما أدى إلى نشوب ما بات يعرف بالحرب الإسبانية الاميركية و التي انتهت بطرد الإسبان من كوبا ، وقد جعلت اتفاقية 1899 كوبا جمهورية مستقلة تحت الحماية الاميركية ، إلا أن ذلك لم يخمد الثورات الداخلية التي استمرت لما يربو عن ثلاثين سنة أخرى، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الاميركية إلى إرسال قواتها لاستعادة النظام في 1912 و مرة أخرى في سنة 1917 .وفي سنة 1934، قاد باتيستا وهو عريف في الجيش انقلابا أطاح بالحكومة ، و قام بتأسيس أول حكومة مستقرة في الجزيرة منذ طرد الإسبان .حافظ باتيستا على سلطته من خلال بناء علاقة طيبة مع الولايات المتحدة الاميركية وزجه للمعارضة في السجون، بل وإعدامهم. وقد سمحت أساليبه البوليسية بالضغط على شعبه وقمعه، رغم استقباله للاستثمار الأجنبي ولاسيما المستثمرين الأميركيين الذين شيدوا المنتجعات وأسسوا النوادي والصناعات المختلفة على الجزيرة، وهو ما در عليها الثراء ودره على باتيستا نفسه الذي كان يطلب المكافآت والرشاوى نظير خدماته .غير أن بحبوحة العيش التي أضحت سمة الجزيرة لم تمتد لتشمل عامة الشعب الكوبي، ومرة أخرى نمت بذور الثورة في كل أنحاء كوبا لتبلغ ذروتها في 26 يوليو 1953 ، حيث قام فيدل كاسترو وهو شاب لم يبلغ بعد الخامسة و العشرين من عمره، و خريج قانون من جامعة هافانا بقيادة 160 ثائرا من رفاقه في هجوم ضد ثكنات الجيش في مونكادا في سانتياغو دي كوبا. قد كان هدف كاسترو يتلخص في الاستيلاء على الأسلحة والتجهيزات لدعم ثورته وتشجيع السكان المحليين للانضمام لقضيته، غير أنه فشل في تحقيق هدفه، فقد أسرت القوات الحكومية معظم المتمردين و قتلت بعضهم، وتم القبض على الثائر الشاب كاسترو وشقيقه راوول وإلقائهما في السجن .وبعد عام، أطلق سراح كاسترو ورفاقه في عفو عام عن السجناء السياسيين، ولم ينل السجن من عزيمته ورفاقه، فقد ظلت حماسته الثورية متأججة، ليذهب بعدها الى المكسيك بغرض تنظيم حركة آخرى أسماها 26 يوليو تيمنا بهجومه الفاشل على مونكادا .نزل كاسترو الذي كان يقود جيشا صغيرا مؤلفا من 81 شخصا ضمنهم شقيقه راوول مع طبيب أرجنتيني يدعى تشي غيفارا، في 2 ديسمبر 1956 على ساحل كوبا الجنوبي ، الا ان جيش باتيستا القى القبض على كاسترو ورفاقه باستثناء مجموعة صغيرة منهم، وذلك بعد أيام قليلة من وصولهم إلى السواحل الكوبية . فر فيديل وراوول وتشي وقلة آخرون إلى جبال سيرا ماسترا، حيث أخذوا يشنون عمليات حرب عصابات وقاموا بتنظيم حملة دعائية لكسب دعم وتعاطف الفلاحين والطبقة الوسطى. في صيف 1958، شن الدكتاتور الكوبي حملة للبحث عن كاسترو وتدمير معسكراته الجبلية، وعندما فشلت الحملة، قاد كاسترو هجوما مضادا بجيشه الذي أصبح تعداده 2000 جندي، أخذ نصفهم وزحف بهم شمالا نحو سانتا كلارا، عاصمة مقاطعة لاس فيلاس التي تبعد بنحو 150 ميلا عن هافانا، بينما قاد شقيقه ما بقي من الثوار نحو سانتياغو الواقعة على الساحل الجنوبي للجزيرة ، فقد كانت الخطة تهدف إلى شطر الجزيرة إلى نصفين .

وفي 28 ديسمبر 1958، هزم جيش كاسترو الجيش الحكومي المكلف بحماية سانتا كلارا والبالغ عددهم 3000 جندي بعد قتال قصير، وسقطت سانتياغو بيد راوول بعد ذلك بفترة قصيرة .أمر باتيستا قواته المتواجدة في هافانا بالسفر عبر القطار إلى سانتا كلارا لاستعادة المدينة من قبضة الثوار، إلا أن الجنود رفضوا، فما كان من باتيستا إلا الفرار بعد أن قطعت الولايات المتحدة الدعم عنه لفساده وحكمه الجائر، حيث لجأ إلى منفاه الاضطراري بجمهورية الدومنيكان . زحف كاسترو نحو هافانا في 8 يناير كي يستلم زمام الحكم في كوبا.

2. غزو خليج الخنازير:
لقد كانت اولى الاهتمامات التي حرص عليها الرئيس كندي بعد استلامه منصب الرئاسة هو تصعيد السياسة المعادية لكوبا والتي بدأها سلفة ايزنهاور حيث وافق كندي على خطة انزال قوات من المتمردين الكوبيين كان قد تم تدريبهم من قبل وكالة المخابرات الاميركية في غواتيملا وجهزوا بالاسلحة على السواحل الكوبية بواسطة سفن تجارية مستأجرة من قبل الولايات المتحدة الأميركية كما تم تجهيز طائرات حربية يقودها طيارين كوبيين لضرب الأهداف الحيوية في كوبا. وقد كانت موافقة كندي مشروطة بعدم إشراك القوات الأميركية بشكل مباشر في عملية الانزال حتى تظهر للعالم بان العملية صراع داخلي على السلطة فضلا عن عدم رغبته بالاصطدام بالاتحاد السوفيتي حليف النظام الكوبي.
في 15 ابريل 1961 انطلقت عملية الغزو بعدة سفن محملة بالمتمردين الكوبيين بهدف إنزالهم على السواحل الكوبية في خليج الخنازير والتي ستكون نقطة الارتكاز لانطلاق تلك القوات وانتشارها داخل الأراضي الكوبية في ذات القوت شنت الطائرات الاميركية عدة هجمات على المواقع الكوبية الا انه مع مرور اليوم الأول والثاني من العملية اتضح انها لم تسر وفق ما خطط لها فقد تمكنت الدفاعات الكوبية من اسقاط عدد من الطائرات المغيرة كما تمكن الجيش والمليشيات المساندة لكاسترو من مهاجمة السفن وافشال عملية الإنزال. ولم تمض أربعة أيام على الهجوم حتى اتضح ان عملية خليج الخنازبر قد فشلت.
ذكر جورج إف ويل في الواشنطن بوست أن المخابرات الأمريكية كانت تجهل كل شيء في تلك العملية سواء قدرة كاسترو على صد الهجوم، أو الخريطة الجغرافية لكوبا، أو حتى التكوين النفسي للكوبيين. ووصف المؤرخ ثيودور درابر الغزو حينها بقولته الشهيرة إنه واحد من تلك الأحداث النادرة في التاريخ التي توصف بأنها “فشل ذريع”؛

3. سلسلة لا تنتهي من المحاولات الأميركية لأسقاط و قتل فيدل كاسترو :
لا يمكننا بحال من الأحوال إغفال محاولات أميركا المستميتة لإسقاط الزعيم الكوبي فيديل كاسترو وحكومته، بل والذهاب أبعد من ذلك بمحاولة اغتياله عدة مرات. فيديل كاسترو مثل الزعيم الأكثر عداء للولايات المتحدة منذ بداية الحرب الباردة. فلا تتعجب إذًا عندما تسمع أن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب تمنى علانيةً أن يزول كاسترو من على وجه الأرض. وفي سبيل ذلك، حاكت المخابرات الأميركية مؤمرات بالمئات لمحاولة التخلص منه. المثير للدهشة أن المخابرات الأميركية حاكت مؤامرات أقرب للسخف من كونها عمل مخابراتي حقيقي للتخلص من زعيم شيوعي يمثل كل ما هو مخالف لأميركا في رأسماليتها. كشفت وكالة أسوشيتد برس، مؤخرا عن تفاصيل بعض المؤامرات، التي وصفها بالاستثنائية في روعتها، فعلى سبيل المثال، أرسلت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في عام 2009 وكيل دعايا وإعلان صربي لتجنيد مغني راب غير معروف حينها سرًّا، كمحاولة ضمن العديد من محاولات أميركا للإطاحة بالحكومة الكوبية، وعند فشل الخطة أثر ذلك بالضرورة على موسيقى الهيب هوب الوليدة في كوبا. يصف الكاتب تلك المؤامرة »الغريبة» بأنها تشبه الكوميديا الهزلية لسيث روجان وجيمس فرانكو، يقصد فيلمهما الذي صدر مؤخرا والذي يدور حول محاولة أميركا تجنيد شخصين تعوزهم الخبرة والكفاءة لاغتيال زعيم كوريا الشمالية، فهي أبعد ما تكون عن كونها تخطيطًا مخابراتيًّا حقيقيًّا واقعيًّا. ولكن بالنظر في تاريخ مؤامرات أميركا السرية للإطاحة بالزعيم الكوبي كاسترو، يعتبر ذلك المخطط «عادي». فقائمة المؤامرات الأميركية لاغتيال كاسترو أو تغيير حكومته ـ الشائعات منها والمؤكد – طويلة جدًّا وسخيفة في كثير من الأحيان. وإليكم بعضها : يُعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية حاكت ثماني مؤامرات ضد كاسترو في الستينات، إلا أن بعضها المنسوب للمخابرات الأميركية سهل جدًّا لدرجة الغرابة، كخطة “السيجار المنفجر” و”بدلة الغطس” الملوثة بفطر يسبب مرضًا جلديًّا خطيرًا يؤدي للوفاة، و”الصدفة البحرية” المفخخة في قاع البحر، وتجنيد حبيبته لتدُس “حبوب سامة” في شرابه. في حين لم يَثبُت صحة مصدر تلك المؤامرات، أثبتت الوثائق الرسمية غيرها الكثير، فعلى سبيل المثال في عام 2007 كشفت الوثائق الداخلية للاستخبارات الأميركية مؤامرة تتلخص في إعطاء رجلين من رجال العصابات المطلوبين للعدالة حبوب سامة لقتل كاسترو. إلا أن فشل جميع تلك المحاولات أصبح مصدر فخرٍ للزعيم الكوبي. في عام 2010 أنتج التليفيزيون الكوبي مسلسلاً من 8 أجزاء عن المؤامرات التي نجا منها كاسترو.
بعد عام 1960، تحولت سياسة الولايات المتحدة تدريجيًّا من العمليات السرية إلى الاعتماد على فرض الحظر التجاري والاقتصادي والمالي على البلاد، ومع ذلك، العديد من المؤامرات التي خططتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والتي كُشِفَت في السنوات الأخيرة تعود بالذاكرة إلى عصر المؤامرات السرية السخيفة.
فوفقًا لما ذكرته أسوشيتد برس، حاولت الوكالة تجنيد مغني راب ليقود حركة مناهضة للحكومة عن طريق إنشاء حساب كوبي على موقع تويتر لتأجيج المعارضة في البلاد. وفي الحقيقة، حققت شركات كـ «زون زونيو» (تويتر استخباري بتمويل USAID) معدلات جذب كبيرة، حتى أنها حاولت توريط جاك دورسي أحد مؤسسي تويتر، لكن في نهاية المطاف لم تكمل المهمة بسبب إفلاسها.

تشرف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID على مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية. ولكن دورها في «تويتر كوبا» ومؤامرة الهيب هوب قد يكون فعالاً في مواجهة دول كروسيا، والتي تعتبر الوكالة شبيهة بـ »حصان طروادة» لمؤامرات أميركا ضد الحكومات المعادية لها. والأسوأ من ذلك، أن تلك الإجراءات ليس ببعيدة عن وقت إلقاء الكوبين القبض على المقاول الأميركي آلن غروس في 2009 بتهمة التجسس، وقد حكم عليه بالسجن 15 عامًا، حيث أثبتت التحقيقات أنه عميل للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وكان يعمل كمقاول تركيب شبكات إنترنت بكوبا للتجسس. ويعد إطلاق سراحه أحد الخطوات الرئيسة المطلوبة لزيادة وتحسين الحوار بين البلدين.
4. أزمة الصواريخ الكوبية ونتائجها:
لقد كان لعملية خليج الخنازير ونتائجها التي اعتبرت هزيمة لكندي وأرائه ذات تأثير سلبي على الولايات المتحدة الأميركية وعلى الرئيس شخصيا اذ افتتح عهده في البيت الابيض بفشل كبير على صعيد السياسة الخارجية. ولا سيما ان وصوله للحكم جاء على خلفية وعوده وحطاباته النارية التي توعد فيها أعدائه بالمنطقة والعالم بأخطر العواقب . كما قام كندي بتغيير شامل في ادراته خاصة في وكالة الاستخبارات اذ تمت اقالة رئيس الوكالة الان دالس فضلا عن تزعزع الثقة بين الرئيس والدوائر المحيطة به لا سيما العسكرية منها والبدء بالاعتماد على تقديراته وتحيلالته مع استشارة المقربين منه .

من جهة اخرى حفزت عملية الغزو القيادة الكوبية واعطتها المبررات الكافية بالعمل لحماية نفسها وامتلاك قوة رداعة مما هيأ الأجواء لولادة ازمة جديدة اخطر من سابقتها على السلام العالمي.
فقد تصاعدت وتيرة التحالف الاستراتيجي بين كوبا والاتحاد السوفيتي لتبلغ ذروتها بقيام الأخير بنصب قواعد عسكرية لإطلاق صواريخ متوسطة وبعيدة المدى تحمل رؤوسا نووية داخل الأراضي الكوبية . وأشار الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في حديث صحفي الى انه اراد نصب هذه الصواريخ لإفهام الولايات المتحدة بان ضرب كوبا يعني الحرب على السوفييت.
وقد جرت عملية نشر الصواريخ الكوبية في كوبا بسرية تامة واطلق عليها اسم عملية انادير .وعلمت الاستخبارات الأميركية بخطة السوفييت تلك بعد ثلاثة اسابيع من بدئها ، فسارعت الادارة الاميركية للبحث عن الوسائل الممكنة لوقف هذا الخطر الداهم على حدودها . وشكلت لجنة في أكتوبر 1962 اطلق عليها اسم اللجنة التنفيذية لمجلس الامن الوطني ضمت 14 عضوا بالاضافة الى روبرت كندي شقيق الرئيس الاميركي وذلك لايجاد افضل السبل لمعاجلة الموقف.
كان الرئيس كندي متأثرا وهو يبحث هذه الأزمة ويضع الخيارات المناسبة لمواجهتها بعدة أمور منها الفشل في خليج الخنازير وأحتمالية المواجهة المباشرة مع الاتحاد السوفيتي والتهديد النووي من قبل دولة جارة.

في 22 أكتوبر 1962 وجه الرئيس خطابا الى الشعب الأميركي اتهم فيه الاتحاد السوفيتي بالاعداد لهجوم نووي ضد الاراضي الاميركية واشار الى وجود قواعد لصورايخ هجومية على الاراضي الكوبية وانها تحمل رؤوس نووية وان هذه الصواريخ يمكنها الوصول الى الى جميع الاراضي الاميركية واعلن في الخطاب نفسه عن اتخاذ اجراءات عدة اهمها ، فرض حصار بحري شامل على كوبا واصدار الاوامر للاستعداد العسكري للقوات الاميركية و توسيع حالة التهديد ليشمل الاتحاد السوفيتي اذا اعلن ان الرد سوف يشمل الاتحاد السوفيتي وقواعده في العالم. نتيجة لخطورة الموقف فقد تبادل الرئيسان الاميركي والسوفيتي عدة رسائل ركز فيها خروتشوف على ثلاث نقاط اساسية هي سحب الصواريخ من كوبا وتفكيك قواعدها ورفع الحصار عن كوبا والتعهد بعدم غزوها وتفكيك صواريخها في تركيا المعروفه باسم جوبيتير. إقترح كيندي بتبني عرض خروتشوف لإبعاد شبح الصواريخ، لكن اللجنة كانت ضد النقطة الثالثة لأنها تضعف هيبة الناتو، والحكومة التركية كانت قد كررت رفضها لمثل هذا العرض. مما زاد من توتر النقاش ما بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي اسقاط طائرة تجسس اميركية u-2بواسطة صواريخ سوفييتية موضوعة بكوبا يوم 27 أكتوبر 1962 ومقتل طيارها . لكن الشيء الذي يجهله معظم أعضاء تلك اللجنة أن روبرت كيندي وبموافقة الرئيس الاميركي نفسه قد قابل السفير السوفيتي في واشنطن يوم 27 أكتوبر ودارت بين الطرفين مفاوضات سرية تضمنت سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل سحب صواريخ جوبيتر من تركيا في غضون اربع او خمسة اشهر من سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا.
وفي صباح اليوم الثاني 28 أكتوبر 1962 اذاع راديو موسكو موافقة خروتشوف على سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوباواحتفظ خروتشوف بسرية اتصالات روبرت كندي مع سفيره في واشنطن بخصوص سحب صواريخ جوبيتير من تركيا
في 26 أبريل 1963، أي بعد ستة شهور من محادثات روبرت كندي مع السفير دوبرنيين تم سحب صواريخ جوبيتير من تركيا، ولم يتم أبلاغ أي من زعماء حلف الناتو، والتبريرات التي قدمت لسحب الصواريخ جوبيتير هي إجراء عمليات صيانة شاملة عليها، وأنها ستستبدل بصواريخ بولاريس التي تطلق من الغواصات.
5. تشريع قوانين أستهدفت الدولة الكوبية ومنها على سبيل المثال القانون الذي أصدره الرئيس ليندون جونسون في العام 1962 ويقضي بمنح الجنسية الأميركية للمهاجرين الكوبين بعد عام من وصولهم الى الولايات المتحدة. ومن القوانين الأخري قانون هيلمز-بيرتون الذي من خلاله شددت الولايات المتحدة حصارها على كوبا من خلال المحاولة لإضعاف العلاقات الكوبية مع المستثمرين الأجانب. القانون الجديد يعاقب الشركات الأجنبية التي تتعامل مع كوبا، وينص على أن العقوبات يمكن أن ترفع في ظل ظروف معينة، بما في ذلك أقصاء فيدل كاسترو وشقيقه راؤول من منصبيهما، وإجراء أنتخابات حرة وحرية الصحافة، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين.

6. الاتفاق الكوبي الفنزويلي :
وقع لرئيسان الفنزويلي هوغو تشافيز والكوبي فيدل كاسترو على اتفاق يسمح لفنزويلا بإرسال النفط إلى كوبا بسعر مخفض، مقابل تقديم كوبا للخدمات في مجال التعليم، والرعاية الصحية، والعلوم، والتكنولوجيا. في السنوات التي تلت ذلك الأتفاق، زاد التبادل التجاري بين الطرفين بقيام فنزويلا بتصدير المزيد من النفط في مقابل أعداد أكبر من الكوادر الفنية الكوبية، خاصة الأطباء، والمعلمين، وغيرهم من العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية.

7. تسليم الرئاسة الى راؤول كاسترو
انتهت حقبة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو التي استمرت إلى ما يقارب نصف قرن باختيار “المجلس الوطني” شقيقه البراجماتي راؤول كاسترو خلفاً له وجاء اختيار راؤول، 76 عاماً، الذي تولى رئاسة البلاد بالإنابة لأكثر من عام ونصف العام، طبقاً للتوقعات وعقب خمسة أيام من إعلان الزعيم الكوبي المخضرم العليل التنحي عن المنصب في رسالة نشرتها صحيفة “غرانما” الرسمية . وأجاز المجلس الوطني بالإجماع اقتراح الرئيس الجديد “مشاورة فيدل” في القرارات النهائية المتعلقة بشؤون الدولة، مشدداً بذلك أن الزعيم المخضرم مازال القائد الفعلي . كما اختار المجلس بنوابه الـ614 جوسيه رامون ماشادوا،77 عاماً، لمنصب نائب رئيس “مجلس الدولة” رغم التوقعات باختيار مرشح أكثر شباباً . واختار البرلمان 31 عضواً جديداً للهيئة الحاكمة التي تعرف باسم “مجلس الدولة” الذي يدير دفة شؤون البلاد، ويتولى رئيسه رئاسة الدولة والحكومة.
الإدارة الأمريكية قالت إن التغير من كاسترو لآخر غير كاف، ووصفته بأنه: “انتقال للسلطة والقوة من ديكتاتور إلى آخر أخف . قالت وزيرة الخارجية الأمريكية ( يومها ) كوندوليزا رايس إن “من حق الكوبيين اختيار قياداتهم في انتخابات ديمقراطية . حثت حكومة هافانا إلى “بدء عملية تغييرات سلمية وديمقراطية بإطلاق كافة السجناء السياسيين، واحترام حقوق الإنسان، وتمهيد الطريق أمام انتخابات حرة ونزيهة.” إلا أن نبرة المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية جون ماكين كانت أكثر تشاؤماً بتوقعاته عدم حدوث إصلاحات رئيسية في كوبا وحتى وفاة الرئيس المستقيل فيدل كاسترو، وتمنى أن لا يستغرق الأمر طويلاً. وعقب ساخراً خلال توقفه في إنديانا: “أتمنى أن تتاح له (كاسترو) فرصة الالتقاء بكارل ماركس في القريب العاجل.” وجاءت تعليقات ماكين في أعقاب جدل بين مرشحي الحزب الديمقراطي السيناتور باراك أوباما والسيناتور هيلاري كلينتون حول أفضل السُبل لدفع رياح التغيير نحو كوبا. كما تأتي رداً على سخرية الزعيم الكوبي المخضرم من الانتخابات الممهدة للسباق الرئاسي الأميركي ومن المرشحين المتنافسين، وقال إنهم عملوا جاهدين كي لا يثيروا غضب أي ناخب من خلال إصرارهم جميعاً على انتقاد كوبا، كما انتقد تعبير “التغيير” المتداول بكثرة في الحملات الأميركية، مقراً بالحاجة إلى ذلك في واشنطن وليس في بلاده.
8. رفع متبادل لقيود السفر :
وسط عدد كبير من الإصلاحات الاقتصادية الأخرى، قررت حكومة راؤول كاسترو السماح للكوبيين الحصول على إذن بالسفر إلى الخارج. كما اصدر الرئيس باراك أوباما الاوامر بتخفيف القيود على السفر والتحويلات المالية إلى كوبا، مما يسمح للأمريكيين من اصول كوبية بإرسال أموال غير محدودة لاشخاص في كوبا سواء كانوا من اقاربهم او غير اقاربهم و السماح لهم بالسفر الى كوبا لغايات دينية او تعليمية .
9. كوبا تستظيف قمة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي:
أستضافت كوبا أجتماعات قمة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CELAC) لمدة يومين، حيث ناقش قادة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التجارة والسلام وحقوق الإنسان. وتعتبر مجموعة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بديلا إقليميا لمنظمة الدول الأميركية (OAS)، والتي تم تعليق عضوية كوبا فيها منذ عام 1962.
هل سترفع الولايات المتحدة حصارها عن كوبا؟
مع ذلك فأن عملية رفع الحصار الاقتصادي عن كوبا ستستمر سنوات، قبل أن تصبح حقيقة، وسينتظر المشرّعون الأميركيون اعتماد كوبا قوانين حماية الحريات الخاصة وحقوق الإنسان، ووضع أسس للممارسات الديمقراطية والليبرالية السياسية، واللجوء إلى صناديق الاقتراع، والتخلّي عن الأساليب الأمنية، والتوقّف عن قمع المواطنين، متذرّعة بالدفاع عن الأمن القومي. وقد تتناول هذه الإجراءات شأن استقالة الرئيس راؤول كاسترو لتقدّمه في العمر. ويحتاج هذا كله عقودا من الزمن ليتحقّق، لكن البدء بهذه الإجراءات يكفي لإبداء حسن النيات، وتسريع رفع الحصار الاقتصادي، ودمج كوبا في المجتمع الغربي.
يمكن عقد مقارنة تاريخية بالتقارب الذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية والصين، إبّان حقبة ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر في سبعينيات القرن الماضي، وفي عهد الرئيس رونالد ريغان أيضا، كما شهدت رئاسة جورج بوش وبيل كلينتون تحسين العلاقات مع فيتنام وتطبيعها، في عام 1995، بعد 20 عاما من انتهاء الحرب بين الدولة العظمى وفيتنام. كوبا ليست الصين أو فيتنام، من حيث الحجم، لكن يمكن أن يحدث التقارب الأميركي معها تأثيرا مباشرا على العلاقات الأميركية مع باقي دول أميركا اللاتينية، الأمر الذي ترحّب به الولايات المتحدة ضمن التوازنات الجيوسياسية المعاصرة.
ــــــــــــ
محمد نجيب السعد
باحث أكاديمي عراقي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق